أذربيجان.. تلك الدولة التي تجمع بين سحر الشرق ورُقيّ الغرب، كانت بالنسبة لي حلمًا أردت تحقيقه منذ سنوات، وعندما وطأت قدماي أرضها، أدركت أنني أمام لوحة فنية لا تُشبه أي مكان آخر. تقع أذربيجان عند مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا، وهذا الموقع وحده كفيل بأن يجعلها وجهة مليئة بالتنوع في الطبيعة والثقافة والتاريخ.
بدأت رحلتي من العاصمة باكو، المدينة التي تُدهشك منذ اللحظة الأولى. ناطحات السحاب التي تلمع في الأفق تعكس وجهها الحديث، بينما الأزقة القديمة في "إتشيري شهر" تأخذك إلى قرون مضت. في المساء، أضاءت "أبراج الشعلة" سماء المدينة بألوان متغيرة، مشهد يخطف الأنفاس ويجعل من باكو مدينة لا تنام. وعلى كورنيش بحر قزوين، حيث النسيم العليل يلامس وجهك، تشعر أن هذه المدينة تُخاطب كل الحواس في وقت واحد.
من هناك، قررت الاتجاه شمالًا إلى قبالا، المدينة التي تُعرف بأنها قلب الطبيعة في أذربيجان. الطريق إليها كان رحلة في حد ذاته، تحيط بك الجبال المغطاة بالخضرة من كل جانب. في قبالا، ركبت التلفريك الذي يأخذك إلى قمة الجبل، وهناك كانت المفاجأة: منظر بانورامي ساحر للغابات والبحيرات. زرت أيضًا "بحيرة نهور"، مياهها الهادئة تعكس الجبال من حولها وكأنها مرآة طبيعية خلابة.
أما شيكي فكانت الوجهة الثالثة في رحلتي، مدينة تُشبه قطعة من التاريخ. "قصر خان شيكي" من أجمل ما رأيت، جدرانه مزخرفة بزجاج ملوّن دقيق الصنع، وأبوابه الخشبية محفورة بأيدي حرفيين مهرة. تجولت في الأسواق القديمة حيث تباع السجاد اليدوي والحلوى المحلية، وشعرت أنني أعيش داخل قصة من التراث الأذربيجاني الأصيل.
رحلتي اختُتمت في قوبا، جنة الشمال الأذربيجاني. هناك كل شيء يدعوك للهدوء والتأمل: الغابات الكثيفة، الشلالات التي تنحدر برشاقة بين الصخور، والوديان التي تمتد كأنها نُقشت بريشة فنان. زرت "قرية خينالوق"، واحدة من أقدم القرى الجبلية في العالم، وسحرني تمسّك أهلها بلغتهم وعاداتهم القديمة رغم مرور الزمن.
في نهاية الرحلة، أدركت أن أذربيجان ليست مجرد بلد تُزوره، بل تجربة تعيشها. من عبق التاريخ في شيكي، إلى روح الحداثة في باكو، ومن هواء الجبال النقي في قبالا إلى سكون الطبيعة في قوبا، كل زاوية فيها تروي حكاية مختلفة. أذربيجان بلد يُسكن القلب قبل أن يُسكن الذاكرة.